Home مسرح كتابة مسرحية لتاريخ تونس في عرض “جرانتي العزيزة” للفاضل الجزيري
مسرح - مهرجانات - 1 دجنبر 2024

كتابة مسرحية لتاريخ تونس في عرض “جرانتي العزيزة” للفاضل الجزيري

صور بعدسة: محمد أمين البربار

قُدّم يوم الخميس 28 نوفمبر2024، بقاعة الجهات بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية في دورتها الخامسة والعشرون، العرض الأول للعرض المسرحي “جرانتي العزيزة” اخراج الفاضل الجزيري ومن إنتاج كل من المسرح الوطني التونسي والمركز الثقافي جربة ومسرح الأوبرا تونس.

ونجد في الأداء إشراق مطر وسليم الذيب بمشاركة العازفين إلياس بلاغي على آلة البيانو ولطفي السافي على آلة التشيللو ومهدي ذاكر على آلة الكمنجة.

من خلال قصة عازف كمان ماهر ومتمرّس بفرقة الإذاعة الوطنية، على أبواب التقاعد، عمل في الإذاعة كما عمل خارجها، ماجعله طرفا في عديد الأعمال الموسيقية والمسرحية وشاهدا على أكثر من نصف قرن من الإنتاج الأدبي والفني في تنو ّعه.. يسرد علينا “بتهوفن” ويشخّص، مع رفيقة درب، وبحضور باقي العازفين، جملة من خبراته تعكس صورة لحقبة من تاريخ الفنّ والابداع، وبالتالي تاريخ البلاد وما طبع تلك الفترة من مفارقات وتجاذبات بين السياسي والابداعي سكَنَتْ ذاكرة العازف وتركت فيها ندوبًا لن تمّحِيَ.

احياء الذاكرة الوطنية

من خلال عرض مسرحي مزج فيه الفاضل الجزيري الموسيقى والمسرح قدّم المخرج كتابة مسرحية لحقبات من تاريخ تونس منذ الاستقلال وصولا لثورة 2011 مرورا لما بعد الثورة على لسان هذا العازف الذي قصّ على الجمهور رفقة رفيقة دربه حكايته مع الموسيقى والمحطات التي عاشها وعايشها.

يُقال انّ التاريخ يكتبه الساسة والمنتصرون ولكن الجزيري أراد كتابة التاريخ ليثبت بانّ الفنان باق ويمكن أن يكون له الكلمة الأخيرة من خلال الأليات الفنية التي يمتلكها.

في تحقيق غايته ألا وهي إحياء الذاكرة الوطنية، ابتعد الفاضل الجزيري عن التوثيق أو سرد معطيات تاريخية وسياسية مجردّة من الفني والانساني بل كتب تاريخ البلاد ضمن قصة شاعرية إنسانية بحتة عاشها عازف الكمنجة الذي من خلال مشواره المهني والشخصي عاصر عديد الأحداث السياسية منذ استقلال البلاد.

ومن منّا ينكر مدى تأثير الشأن السياسي على الفن والفنانين، ف”جرانتي العزيزة” جمعت بين السياسي والفني وأكدّت عبر معطيات وأحداث سجلّت في تاريخ تونس مدى ترابط السياسي بالفني.

تعتبر الكتابة المسرحية للتاريخ التي قدّمها الجزيري فيها من الذكاء ما يحمل الجمهور الى حقبات تاريخية عاشتها تونس منطلقا من الفن وبالفنّ، فقد تم تقديم هذه الحقبات بجميع تفاصيلها خاصة منها السياسية بالرجوع الى ما مرّ به الفن فنجد الممثلة اشراق مطر تروي رفقة حبيبها التاريخ بكلمات أغاني ارتبطت بفترات وسنين بعينها.

تكريم المبدعين على مرّ تاريخ تونس

من خلال كتابة تاريخ البلاد مسرحيا قرّر الجزيري تكريم مبدعي تونس في كل مرحلة مرت بها البلاد من أكاديميين في المجال الموسيقي كأحمد عاشور مدير المعهد الوطني للموسيقى وعدد من أساتذة المعهد العالي للموسيقى الذين تركوا بصمتهم في طلابهم الى موسيقيين وأبرزهم الموسيقار التونسي عبد الحميد بن علجية. كما كان للمسرح نصيب فقد ذُكرت عدّة أسامي لشخصيات قدّمت الكثير للمسرح التونسي كالحبيب بولعراس والحبيب المسروقي ومحمد ادريس.

تداخل السياسي بالفني ليأخذ فريق العمل الجمهور في رحلة فنية فيها من النوستالجيا ما تنعش الذاكرة وتمتع الحواس وتشغل الفكر من خلال إعادة قراءة التاريخ.

الموسيقى في “جرانتي العزيزة” بوابة لكتابة التاريخ

 لم يختزل الفاضل الجزيري الة الكمنجة في ان تكون مجرّد اكسسوار لشخصية العازف الذي يقص حكايته ولكنها مثلت البوابة التي من خلالها كتب الفاضل التاريخ برفقة الات أخرى كالبيانو والتشيللو وحضور العازفين الياس البلاقي ولطفي السافي ومهدي ذاكر اكبر دليل على ذلك من خلال تقديمهم معزوفات واغاني قدّمتها اشراق مطر طيلة العرض.

ما يجدر التنويه به في هذا العرض هو أداء الياس البلاغي التمثيلي فقد قدّم شخصية “عُمدة” عازف البيانو الأعمى والصديق المقرب لزوجة “بيتهوفن”.

من ناحية أخرى، يجدر التنويه بتكامل عناصر السينوغرافيا من اضاءة الى الصوت الى الموسيقى والأزياء والاكسسورات والديكور الذي تمّ توظيفه في جميع المشاهد وكيفية تعامل الممثلين معهم طيلة العرض.

ان عرض “جرانتي العزيزة” يؤكد ككل عرض للفاضل الجزيري على أنّ احياء الذاكرة وإعادة قراءة صفحات التاريخ شغله الشاغل ولكن هذه المهمة الذي أراد أن ياخذها على عاتقه ينفذها في كل مرّة بطريقة وشكل فني مختلف. فمن نوبة للحضرة للمحفل لجرانتي العزيزة كُتب تاريخ وحُفظت أسامي وشخصيات قدّمت لتونس الكثير وأثرت الخزينة الموسيقية. 

ان قصة “بيتهوفن” العازف المحب لآلته جاءت لتثبت أن الثقافة والفن مترابطان أشدّ ارتباط وأن السياسي يؤثر في الفني والعكس صحيح وأنّ الفن والثقافة يمثلان مفتاح أي بوابة تريد ان تطرقها لتبني جسرا بين الماضي والحاضر والمستقبل.

يُذكر أن سامية عبد الله تولت المساعدة على الإخراج أما الأزياء فتعود الى هادية بن عمار وتوضيبها يعود الى جيهان بن عطية. وتولى فيصل صالح الإضاءة وياسين التواتي الصوت أما السينوغرافيا فتعود الى الفاضل الجزيري.

من جهة أخرى، وجب الإشارة الى أنّ النص هو نتيجة كتابة جماعية تحت إدارة الفاضل الجزيري.

الفاضل الجزيري – مسرح- موسيقى – أيام قرطاج المسرحية – جرانتي العزيزة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

عرض الخيل والليل: اختتام المهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون بامضاء الموسيقي كريم ثليبي

وقع الاختيار على الموسيقي كريم ثليبي ليكون اختتام الدورة الخامسة والعشرون من المهرجان العر…